مع إصدار الطبعة المحدثة من الدليل التشخيصي والإحصائي DSM في عام 2013، تم الاعتراف بالمقامرة المرضية على أنها "إدمان" لكل شيء، إلى جانب الإدمان المعروف والتعود على مواد المؤثرات النفسانية.
في الواقع، العديد من الدراسات تظهر تشابها بين مختلف أشكال الإدمان، سواء لجهة الأعراض (أنماط السلوك القهري التي تستمر على الرغم من الأضرار الجانبية الكبيرة) وسواء من الناحية العصبية-البيولوجية (تفعيل نظام المكافأة في الدماغ والمألوفة في حالات الإدمان مواد المؤثرات النفسانية).
في الوقت نفسه، هناك مكونات فريدة في القمار المرضي ترتبط بذلك أنه في كثير من الأحيان يطلب من المقامر إجراء "تقييم احتمالات" واتخاذ القرارات وفقا لهذا التقييم. يدور الحديث عن العمليات التي نقوم بها جميعنا على أساس يومي ضمن تقييم النتائج الممكنة "جيدة مقابل سيئة" لعمل معين واحتمال حدوثها "مرتفع مقابل منخفض"، وترسو تحت مظلة نظرية عامة تسمى " الحكم وصنع القرار" (Judgment and Decision Making). على سبيل المثال، خيارنا لشراء ساندويتش تونة عمره يومين وتناوله قد يكون نتيجة لاحتساب النسبة بين احتمال الشعور باللذة والشبع من تناول الشطيرة وبين تقديرنا قيمة شطيرة التونة واحتمال الإصابة بتسمم غذائي جراء عمره.
ساهم دانيال كاهنمان الحائز على جائزة نوبل عام 2002(الذي حصل على الجائزة لعمله مع معلمه عاموس تورسكي الذي توفي قبل منح الجائزة) إسهاما عميقا في فهمنا لعمليات اتخاذ القرار هذه. في الواقع، يفسر كاهنمان، نحن نتخذ القرارات وفقا للاحتمالات والمخاطر التي تنطوي عليها، ولكن تنقسم تلك إلى القرارات "الباردة" والعقلانية (التي تنشأ من الفص الجبهي) مقابل القرارات "الدافئة" والعاطفية (التي تنشأ في بنية الدماغ العميقة للنظام الحوفي وفي الأساس اللوزة التي تخزّن الذكريات العاطفية). وهكذا فغالبا، في الحياة اليومية نقوم باتخاذ قرارات معقولة على أساس هذين النظامين، مع فرصة طبيعية للخطأ. وغالبا ما تحدث المشاكل عندما يكون ثمن اتخاذ قرارات خاطئة وثمن مرتفع جدا، وخاصة عند تكرار اتخاذ القرارات الخاطئة نفسها بشكل منهجي، عندها تتراكم الأثمان العالية والصعبة لقراراتنا الخاطئة. لسوء الحظ، فإنه لدى الأشخاص الذين يعانون من القمار المرضي، هناك أخطاء تتكرر في عملية صنع القرار، والتي سنذكر ملامحها الأساسية أدناه.
هنالك اثنين من المفاهيم الأساسية التي يمكننا من خلالها أن نفهم بعض من الخلل المعرفي في القمار المرضي وهي مفهوم "التوافر"، الذي يدل على السهولة التي يمكنك فيها استخراج بعض المعلومات من الذاكرة، الثاني هو مفهوم "التمثيل"، الذي يمثل الطريقة التي تستقر فيها معلومات مسبقة بشكل متداعي على قطعة جديدة من المعلومات. ومن الأمثلة الملحوظة المرتبطة بعنصر التوافر هو خلل تقييم المقامرين المرضيين للعلاقة بين ربح الآخرين وربحهم هم. وبعبارة أخرى، يتم تذكر مكاسب الآخرين بشكل غير متناسب مع الخسائر والتوافر في ذاكرتهم. انطلاقا من معرفة هذا الميل، تضع المصالح التجارية ماكينات الحظ قريبا من بعضها البعض، بحيث أنه عندما يرى الشخص جاره كسب يعتقد أن هذا الأمر سيحدث له.
مثال آخر على ضعف الإدراك المرتبط بمفهوم "التوافر" لدى المقامرين المرضيين هو مدى سهولة استخراج ذاكرة الفوز مقابل ذاكرة الخسارة. وهكذا، على الرغم من كون حالات الفوز أقل شيوعا بكثير من حالات الخسارة، فهي أكثر توافرا في الذاكرة، وبالتالي تتعزز بشكل غير متناسب مع حصتها النسبية في واقع الشخص.
ترتبط العديد من التشوهات المعرفية بمفهوم "التمثيلية" في مجال المقامرة المرضية. على سبيل المثال، في لعبة الروليت عندما يراهن شخص على "الأحمر" أو "الأسود" في كل جولة، بعد خمس مرات متتالية من الـ"أسود" فإن الشخص الذي يعاني من القمار المرضي يمكن أن يفترض أن الوضع يجب أن "يتوازن"، وبالتالي سيقوم بالرهان على "الأحمر" (خلل معرفي من نوع واحد) بدلا من ذلك، فإن الفكر بأن "هناك سلسلة من حالات الكسب السوداء، تستحق الاستمرار في المقامرة على الأسود" (خلل معرفي من نوع واحد). مثال آخر هو الوضع حيث المقامر "يكسب تقريبا"، أي يتلقى نتيجة لا يفوز فيها على الإطلاق ولكنها تقربه من النتيجة المرجوة. من التشوه المعرفي الذي يفيد أن "الفوز تقريبا" هو على وشك الفوز، فإن المقامرة المرضي قد يكرر المقامرة متصورا بأن "بعد لحظة سيتحول الفوز تقريبا إلى فوز". كل هذا هو حيث، بالطبع، لا تحمل ألعاب الحظ ذاكرة لحدث سابق على الإطلاق، وفي كل مرة تعود الفرصة إلى نقطة الصفر لتبدأ من البداية (على الأقل في ألعاب من نوع الروليت). هذه التشوهات غالبا ما تؤدي إلى "مطاردة الخسائر" في محاولة لإعادة الأموال المفقودة، وهي واحدة من المعايير لتشخيص المقامرة المرضية.
إلى جانب هذا الخلل المعرفي، وجد أنه لدى الأشخاص الذين يعانون من المقامرة المرضية هناك تقدير مبالغ فيه لاحتمالات نجاحهم (بالنسبة إلى الاحتمال "البارد" الذي يمكن حسابه إحصائيا) ويخلق شعورا بالأمن وسهولة المخاطرة بمبالغ كبيرة من المال. من المهم أن نلاحظ أن نتائج مماثلة تم العثور عليها أيضا في دراسات حول الأشخاص الذين يمارسون "الانشغال العاطفي" بسوق الأسهم، ولكن في معظم الوقت نحن لا نناقش كمهنيين هذا المجال جنبا إلى جنب مع القمار. ومما له أهمية خاصة هي النتائج التي تظهر أنه على الرغم من هذه العيوب المعرفية البارزة لدى الأشخاص الذين يعانون من القمار المرضي، لا يتم التعبير عنها عندما يكونوا مجرد "متفرجين" وليسوا جزءا من اللعبة (في وضع مماثل لاشتراكهم باللعب حيث برزت الإعاقة المعرفية والحكم الخاطئ). في مفاهيم كاهنمان، المنظومة "الباردة" حيث السيطرة وحساب الفرص والمخاطر.
إن فهم أوجه الخلل المعرفي في أساس القمار المرضي ليس أمر أكاديمي فقط، ولكنه يجد طريقه إلى غرفة العلاج بالفعل. وقد وجد أنه عند تحدى "الثقة الزائدة" للمقامرين بفرص فوزهم والتعامل مع تشخيص خلل المعرفة والأفكار غير العقلانية في أساسها، يمكن التقليل إلى حد كبير من الرغبة في المقامرة والحفاظ على الوقاية من الانتكاس على المدى الطويل. وبالتالي، فإننا يمكن أن نشجع المعالج على "العودة بصوت عالي" على مواقف حقيقية من القمار، والتركيز النفسي والتعليمي واستقلال وعشوائية الأحداث. باستخدام أدوات مألوفة أخرى مثل الوقاية من الانتكاس مثل التوجهات المعرفية السلوكية المعهودة من مجال الإدمان.
جميعنا نستخدم مجموعة من الاعتبارات على أساس يومي، من لحظة نهوضنا في الصباح، مرورا بمغادرة المنزل حتى عودتنا في نهاية اليوم، ووضع رؤوسنا على الوسادة. غالبا ما يجري الحديث عن عمليات متوقعة بمقدار معقول. بالذات فإن ممارسة نفس النوع من السلطة التقديرية في ألعاب القمار، والتي لا تلبي بالضرورة نفس القواعد اليومية المتوقعة، تكمن في صميم الخلل المعرفي لدى المقامرين المرضيين. تم تصميم وضعية المقامرة عمدا لتكون مختلفة عن الحياة اليومية. فيجد المقامرون المرضيون صعوبة في تقييم مدى أهمية هذا الاختلاف.
إضغطوا هنا لتحميل كتيب المقالات الكامل
* نشر المقال داخل كراسة: القمار في إسرائيل مجموعة مقالات في مجال علاج متضرري القمار في إسرائيل، تحرير: العامل الاجتماعي ناحوم ميخائيلي أنتجت الكراسة بواسطة وحدة علاج متضرري الكحول والقمار في جمعية إفشار برعاية خدمة علاج الإدمان، وزارة العمل، الرفاه والخدمات الاجتماعية وبدعم من مفعال هبايس.
(من "كل شيء عن الكحول"، عدد 89، ديسمبر 2015، ص 4-5)