للحصول على مساعدة:

جمعية إفشار 1700500888
جمعية هديرخ 0545269336
مركز وزارة الرفاه 118

القمار والقدرة المطلقة


ديفيد باناي ، أخصائي نفسي إكلينيكي

ديفيد باناي ، أخصائي نفسي إكلينيكي

محاضرتي اليوم تتناول ضحايا القمار. سأقدم طرحًا نفسيًا ديناميكيًا يبحث تأثير الجوانب النفسية الداخلية في السلوك البشري. لا تفسّر الديناميكا النفسية أبدًا السلوك الكامل للإنسان. فالإنسان يتأثر أيضًا بعوامل سلوكية، اجتماعية ، سياسية ، بيولوجية وعوامل أخرى. وسأركز هنا على بعض العوامل الديناميكية النفسية فقط. وأود التأكيد بأنني أميّز بين القمار كلعبة والقمار كسلوك مَرَضي.
 نحن نعيش في مجتمع ديمقراطي، حيث تُمنح الفرصة للناس ليتصرفوا كما يحلو لهم، طالما أن هذا السلوك لا يضر بالآخرين ولا يضللهم. مجتمعنا قائم على المسؤولية الشخصية ودورنا كمعالجين هو السماح للناس باستخدام مسؤوليتهم الشخصية على النحو الذي يرونه مناسبًا.

تتناول المحاضرة المقامرين الذين فقدوا الحدود في مجال المقامرات، والانشغال بأمر يمكن أن يكون أيضًا لعبة مسلية. النهج الذي أقدمه مبني على نهج لفرويد، يدّعي أن الشخص لديه أيضًا أجزاء مجنونة في رأسه ويجب أن يعبّر عنها بطريقة مرحة، تعبيرًا عن التسلية. لكن يحتاج المرء إلى معرفة الحد الفاصل بين اللعب والسلوك المَرَضي. في الواقع المرضي، يحاول الإنسان إدراك أوجه القصور، الدوافع التي لم يتم حلها، من خلال "شيء" يبدو وكأنه لعبة ولكنه ليس لعبة على الإطلاق. المحاضرة موجهة لأولئك المقامرين الذين فقدوا الحدود ويتواجدون الآن في حالة مرضية. في الواقع فإن المقامرة هي "صفقة" من نوع ما. أنت تستثمر في شيء وتحصل على شيء في المقابل. ومن حيث اعتبارات الربح والخسارة، فهذه صفقة اقتصادية سيئة للغاية. أي أن الناس لا يذهبون إلى الكازينوهات للقيام بأعمال تجارية، ولكن للقيام بأعمال تجارية سيئة للغاية. ويذهب للكازينو أيضًا الكثير من الأشخاص العقلاء.

الرهان هو الوضع الذي تحصل فيه على المدى القصير على عائدات ضخمة مقابل كل نجاح،  بينما عادة ما يكون الثمن بعد الفشل صغيرًا. لكن على المدى الطويل، بمرور الوقت ، يمكن للثمن أن يكون كارثيًا. ولا يستوعب المقامر هذا الأمر أثناء المقامرة. عندما يقامر فإنه يشعر أن هناك ربحًا كبيرًا ينتظره في مكان ما، حتى لو كانت فرصة الحصول عليه ضئيلة للغاية. هذه العلاقة بين حجم العائدات والاحتمالات الضئيلة للحصول عليها، هي التي تشكّل المبنى الخاص بالمراهنات، لأنه يولّد حماسًا كبيرًا تجاه تحقيق الفوز الكبير وفي ذات الوقت يرافقه إحساس كبير بأن الأمر يكاد يكون مستحيلًا.

ما الذي يجذب الشخص للاستثمار والانخراط في مثل هذه الصفقات السيئة؟ أنا أدّعي أن البنية الإشكالية للصفقة هي التي تجتذب الناس إلى القمار. على عكس نظرية التعلم الاجتماعي، فإن التخيّلات التي تقود الى المقامرة موجودة داخل اللعبة نفسها.  تكون موجود أثناء الرهان، قبله وبعده. وتكون هذه التخيّلات في رأس كل واحد منا عندما يفكر في القمار، على النحو التالي: أنا الوحيد ، أنا المميز ، من بين كل الناس أنا الشخص الذي سيفوز. عندما يتوجه شخص ما لملء استمارة لوتو أو توتو أو للمقامرة في كازينو، فإن عقله يكون غائبًا. الشعور بأنه سيفوز، يكون أكبر بكثير من الاحتمالات الإحصائية. لو كان المقامر عقلانيًا، فلم يكن ليستمتع بهذا النوع من الصفقات.

المنطق الذي يقود الناس إلى المقامرة مبني على النحو التالي: الشخص المميز والذي يقدّر ذاته، سينجح في الحياة. النجاح في الكازينو يعني النجاح في الحياة. هذا بالمناسبة هو المبنى الاجتماعي- الثقافي. في مجتمعنا، إذا كانت لديك القوة والمال، فأنت شخص تلاقي التقدير، بغض النظر عن كيفية ربحك للمال. الشخص الذي ينجح في الكازينو هو شخص ناجح. ويعتقد المقامر أنه شخص مميز ولهذا السبب سينجح في الكازينو - منطق بسيط. ولكن بالطبع لا توجد أي علاقة بين مدى النجاح والتميّز وفرصة النجاح في الكازينو. إن حقيقة صعوبة التنبؤ باللعبة مسبقًا تسمح للاعب بتطوير خيال نرجسي لديه بأنه سيكون الشخص المميز الذي سيفوز باللعبة التي يقامر من خلالها.

عندما يخسر شخص ما ، يقول: "لقد فوتوا الفرصة عليّ، هناك خطأ ما هنا" ، هذا الحدث ليس لديه أي قوة واقعية تدفع المقامر للاعتقاد أنه ربما كان مخطئًا وليس واقعيًا. يشعر أنه كان ثمة خطأ أو أن سحرًا وقع على الشخص الخطأ. أما عندما ينجح فيقول "كنت أعلم أن ذلك سيحدث". إذا ربح ألف شيقل فهو على يقين بأنه سيفوز أيضا بعشرة آلاف شيقل وبمليون شيكل.
 في حين أن المقامرة عبارة عن حدث عشوائي، إلا أن الخيال الذي تقوم عليه يحوّلها إلى حدث منهجي ومرتبط بالعقل بحيث تعيد المقامر إلى حلبة أسرته مجددا، حيث كان هناك في منافسة مع إخوته وأراد الحصول على الحب من الوالدين. لقد كان للعائلة مبنى مشابهًا جدًا للكازينو.
يميل الأطفال الذين نشأوا في "عائلات كازينو" إلى المقامرة. "عائلة الكازينو" أو "أبوة وأمومة الكازينو" ، هي حالة تكون فيها محبة أحد الوالدين للطفل مشروطة. يقول الوالد أو الأم للطفل: "فقط إذا قمت بهذا الشيء المميز الذي أنتظره منك ، فستحصل  مني على الحب الذي من المفترض أن أعطيك إياه. ستحصل على الحب فقط إذا أعطيتني بالضبط الشيء الذي ابحث عنه". وفقط عندما يتمكن الطفل من تلبية الاحتياجات النرجسية للوالد ، يحصل على الحب.

وهنا يحاول الطفل بشتى الطرق إرضاء والديه ، وفقط عندما يلبي الاحتياجات النرجسية لهما ، يبتسمان له. على سبيل المثال، عندما تكون الأم شخصية اكتئابية، لا يمكنه أن يعرف مسبقًا ما يمكنه فعله لجعل أمه تحبه. سيتوجب عليه باستمرار أن يأتي بشيء آخر، بشيء جديد، لمفاجأة الأم من أجل الحصول على اهتمامها. ويكبر بعض الأطفال في مثل هذا هذه الظروف، التي يصبح فيها تلقي الحب من الوالدين حدثًا غير متوقع تمامًا ونتيجة لذلك، فإنهم يطوّرون خيالًا مفاده أن هناك شيء ما بداخلهم، وفقط إذا تمكن الوالدان من رؤيته فسيحصلون منهما على الحب الأبوي. أذى مؤلم للغاية بسبب النرجسية.

يخرج الأطفال من الأسرة مع شعور بالإهانة الشديدة. يمكنهم العمل بجد وأن يكونوا ناجحين للغاية ويقيموا عائلات جيدة ، أن ينجحوا في العمل وفي حياتهم الاجتماعية ، في كسب الكثير من المال، ويمكنهم الحصول على كل شيء ، لكنهم ما زالوا لا يشعرون بأنهم يستحقون الحب الأولي ، الذي يحدد في الواقع نظرتهم الى أنفسهم مدى الحياة. يبحثون عن الحب حيث فقدوه، في مكان غير متوقع. وهنا عنصر شعور المقامر بأنه ضحية. يتعاطف مع الموقف السادي الذي نشأ فيه في المنزل ويذهب ليجرّب حظه في موقف سادي فيه فرصة للحصول على الحب، بمعنى، أن المال صغير جدًا ، ولكن هناك يمكنه استرجاع مشكلته الأولية، ويشعر انه ربما في هذه المرة يمكنه أن يُخرج من نفسه الشيء المميز والفوز بجائزة كبيرة.  

في حين أن الهدف الظاهر من المقامرة هو الفوز، فإن الهدف في اللاوعي ليس الفوز ، وإنما الشعور بالإثارة الهائلة. هو لا يفعل ذلك من أجل المال ، بل من أجل فعل المقامرة نفسه من أجل الإثارة . إنها إثارة كبيرة جدًا لكل شخص. كلما كان الشخص أكثر انغلاقا على نفسه، وكلما كان شعوره أكبر بالأذى بسبب علاقاته الأولى المؤذية، فإن هذا الشعور سيكون مطلوبا أكثر من قبله. يقول إن هناك فرصة للحب. من أجل هذا الشعور، يكون الشخص على استعداد للذهاب إلى كازينو وخسارة قدر كبير من المال وحتى تدمير عائلته، لأنه هناك يحصل على شيء لا يمكنه الحصول عليه في أي مكان آخر. لا يعرف المقامر مصادر حماسته واثارته، ومن حيث الحالة النفسية التي يتواجد فيها المقامر، فإن هذه الإثارة تستحق كل هذا العناء بالفعل ! وبالتالي من أجل إخراجه من هذه الحالة النفسية، من الضروري أن نغيّر نحن المعالجين شيئًا ما في شخصيته حتى يتمكن من الشعور بشيء آخر.
تعتبر مسألة التحكم في الصدمات مهمة للغاية في الاقدام على المقامرة. تتحقق السيطرة على الصدمات، بأن يقوم شخص بالغ عانى من تجربة صادمة في الأسرة عندما كان طفلاً ، بالبحث عن مواقف لإعادة إنشاء تلك التجربة ، من أجل محاولة التغلب عليها وتصحيحها. عندما يعيد الشخص تجربة مؤلمة فإنه يقلل من الألم الذي ينطوي عليها لأنه يزيد من فرصة تصحيحها. أي أن الشخص الذي يذهب إلى الكازينو، إنما يذهب لتدمير نفسه، ليشعر مجددًا بألم الرفض، وليلتقي مرة أخرى بكل الإخفاقات، لكنه يذهب أيضًا من أجل فتح باب وربما يحصل على نفس العائد الذي توقع الحصول عليه في بداية حياته.
إذا نظرنا من هذه الزاوية إلى فعل المقامرة للمقامر القهري ، نرى أن في الإقدام على المقامرة هناك رغبة  في الاستشفاء وهذه الرغبة يمكننا استغلالها في العملية العلاجية. ندعو المقامر لاستكشاف التخيلات التي تتضمنها عملية المقامرة نفسها ، من أجل التواصل مع الألم اللاواعي الموجود داخل الخيال. الألم الذي تولّده المقامرة هو الشعور الشديد بالدونية. يشعر المقامر المَرَضي الذي تكون نظرته الى نفسه متأذية، أنه بلا قيمة ومرفوض ولا يستحق الحب. ويبحث في القمار عن الشعور بالقوة والنصر.

كيف هي بنية الكازينو وكيف يكون تصميمه؟ يشبه الكازينو القصور، حيث يمكن لأي شخص أن يشعر بأنه ملك، ويعرف الجميع أنه ملك ! "سيدي ، اشرب ، كل ، تفضل ..." ، "كل شيء في انتظارك ، كل النساء اللواتي تريدهن ، كل شيء متاح." هذا الأمر يثير من يسعى للشعور بأنه ملك، بأن يكون مسيطرًا، أن يكون الأقوى والأعظم والأكثر شعبية. الشخص الذي يبحث عن هذه التجربة هو شخص يشعر بأنه وضيع وانه لا شيء.  مصممو الكازينو يقرأون مشاعر اللاعب وبحسبه يتلاعبون بتصميم الكازينو. ومن المهم أن نفهم أن هذا الخيال مهم جدًا لأنه الشيء الوحيد الذي يخفف من آلام الرفض والإذلال وقلة الحب في الطفولة. ويجب أن يشمل علاج مدمني القمار الانفصال عن المحفز، والابتعاد عن المقامرة كسلوك، تمامًا مثل الابتعاد عن المخدرات لدى مدمن المخدرات. بالإضافة إلى ذلك، من المهم جدًا في العلاج الوصول إلى أماكن الألم والأماكن المتأذية التي تجعل المُقامر يشعر بأنه لا شيء، من أجل علاجها حتى لا يضطر إلى المقامرة.
المقامرة ليست مرضًا في جميع الحالات، بل يمكن أن تكون أيضًا نوعًا من الألعاب، وهذا يعتمد على نوع الخيال الذي يصاحب اللعبة وما مدى واقعية الخيال. يمكن لأي شخص لعب الورق من أجل المتعة وأن يتمتع بالخيال للتغلب على الطرف الآخر ، يمكنه أن يشعر انه ملك خلال اللعبة لكنه يدرك أنه ليس ملكًا حقًا ، ويدرك أنها لعبة  ذات مبنى معين. في المقامرة المرضية، لا يرغب المقامر بالاستمتاع بالخيال في الواقع الموجود ولكنه يريد كسر الواقع وهنا تكمن المشكلة. لأنه من خلال الإقدام على المقامرة لا يمكن ابدًا إصلاح الضرر النرجسي.  يمكن تأخيره وتأجيله ورفضه، ولكن لا يمكن إصلاح الألم والأذى.  لذلك في علاج المقامرين لدينا شيء جيد جدًا نقدمه للاعب - تصحيح أذى النرجسية الأولية وهذا يجب أن يكون الهدف العميق لعلاج المقامرين.

 لتحميل كتيب المقالات الكامل