للحصول على مساعدة:

جمعية إفشار 1700500888
جمعية هديرخ 0545269336
مركز وزارة الرفاه 118

القمار المَرَضي – هنالك فرصة !


بروفيسور بنحاس دنون

بروفيسور بنحاس دنون، مدير عيادة الصحة النفسية، رحوفوت

عندما طُلب مني أن أكتب عن المقامرة المرضية، كان أول ما يتبادر إلى ذهني هو: الإخفاق ! تعتبر المقامرة المرضية واحدة من أكثر التشخيصات شيوعًا ولكنها أيضًا من أكثر التشخيصات التي تشهد إخفاقَا على مستوى المجتمع عامة. ويتم التعامل معها كعادة سيئة وليس كاضطراب نفسي. هذا هو السبب في أن الأشخاص الذين يعانون من مقامرة مرضية يصلون لطلب المساعدة، وفي حال وصلوا أصلا يأتون بعد فوات الأوان أو في مرحلة متأخرة للغاية، على الرغم من النجاح العلاجي المشجع في معظم الحالات. ويبدو أن الأفكار المسبقة أقوى من الرغبة في التعافي.

الإدمان بشكل عام ظاهرة شائعة في العالم. وفقًا لتقديرات مقبولة على العديد من الباحثين فإن نحو ثلث أفراد المجتمع يعانون من إدمان معين، على نوع معين من السلوك او لاستهلاك مواد معينة. ويُعرَّف الإدمان، كقاعدة عامة، بأنه نشاط قهري وانخراط مفرط في أمر معين مثل المقامرة أو الاستهلاك الخارج عن السيطرة لمواد ابتداء من الكحول والسجائر وصولا إلى المخدرات المختلفة.

الجانب المشترك بين المدمنين هو انغماسهم في أنشطتهم القهرية، لدرجة إلحاق أضرار جسيمة بجيوبهم أو أجسادهم، إلى حد تعطيل قدرتهم على العمل أو الدراسة أو التواصل الطبيعي والعادي مع الأسرة والبيئة المحيطة.

عرفت ظاهرة القمار عبر التاريخ وتجمع بين اللعب، الاستمتاع، التخمين ، القدر، الحظ والمنافسة ، وكلها تؤدي معًا إلى  نشاط جذاب ومثير. اسم اللعبة في المقامرة هو الاستثمار المالي والمخاطرة بالخسارة أو الربح. استثمار المال دون معرفة المقامر إن كان سيربح أم سيخسر يجعل الرهان مثيرًا ويكسبه أهمية.
يمكن أن تكون المقامرة اجتماعية وعارضة أو قهرية ومرضية. ويكمن الاختلاف في هدف الرهان، الوقت المستثمر فيه وبتبعاته.

في الجانب النفسي، فإن القمار المرضي كاضطراب،  وُجد في مجموعة من الاضطرابات التي تتميز بعدم السيطرة على الدوافع. من حيث المؤشرات، فإن المقامرة المرضية قريبة من قوس من الاضطرابات المزعجة، الوسواس القهري والإدمان. تُعرَّف المقامرة المرضية في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM IV بأنها اضطراب تدريجي يتميز برغبة لا يمكن السيطرة عليها للمقامرة. أو وفقًا لـ ICD 10 يُعتبر اضطرابًا يتكون من حلقات متكررة من المقامرات التي تهيمن على حياة الفرد إلى درجة المس بالقيم والالتزامات الاجتماعية والمادية والعائلية للمقامر.

أعتقد أنه يمكن تقسيم شريحة المدمنين إلى مجموعات مختلفة. هكذا يمكن أيضًا تقسيم مجتمع المقامرين المرضيين إلى عدة مجموعات ، أبرزها:

  • المقامرون الذين لديهم سلوكيات وسواسية وقهرية . عادة ما يعاني الناس من كلا النوعين من العوارض معًا. على سبيل المثال، شخص خسر 400 ألف شيكل في العام الأخير بشراء بطاقات قشط من نفس النوع وفي نفس كشك مفعال هبايس.
  • المقامرون الذين لا يتحكمون في اندفاعاتهم. مثل موظف كبير في شركة للهايتك، والذي كلما سافر إلى خارج البلاد لاجتماعات عمل، تراوده رغبة ملحة في الذهاب إلى كازينو ويجد نفسه يلعب فيه حتى خسارة آخر دولار.

  • المقامرون "المدمنون" الذين يتصرفون بدافع العادة أو بدافع الرغبة في الحصول على إثارة. المثال الكلاسيكي هو أول سيجارة نشعلها بعد الاستيقاظ من النوم.

بغض النظر عن نوع المقامر المرضي الذي نتحدث عنه، يمر معظم المقامرين بثلاث مراحل تميز عملية تحويل المقامر الاجتماعي إلى مقامر مرضي:

  • مرحلة الفوز أو الاقتراب من الفوز - يختبر المقامر رهانات وأرباح تحرك مشاعره وخياله. يستثمر اللاعب بطريقة محسوبة ويشعر بتجربة مثيرة تجذبه لمواصلة المقامرة. عادةً ما يكسب مبلغًا كبيرًا أو يقترب من الجائزة الأولى ويخسر بسبب رقم واحد (بالقرب من حالة الفوز). (Near Win Situation).

  • مرحلة الخسارة - يستثمر المقامر مبالغ كبيرة لكي يربح وبوتيرة عالية وتصبح الخسائر أكبر وأكبر. ويكون هناك خطر على المقامر بأن يخسر ماله ولذلك يعود للمقامرة بهدف تعويض خسائره.

  • مرحلة اليأس - يصبح المقامر مهووسًا بمحاولة الحصول على المال للمقامرة وسداد الديون. وتكون عواقب المقامرة صعبة جدا على حياة المقامر وعائلته. يغرق اللاعب في حالة من اليأس ويعتبر الانتحار أحيانًا ملاذًا لمشكلته. هذه مرحلة يكون فيها المقامر على استعداد لطلب العلاج.

بشكل عام ينظر الناس إلى القمار على أنها عادة "سيئة". ووفقًا لهذا الرأي، يعتقدون أن كل ما يجب فعله هو التوقف عن المقامرة لينتهي الأمر. كما أن الأفكار المسبقة عن العلاج النفسي تزيد من صعوبة الحصول على العلاج وفي كثير من الأحيان تمنع تلقي المساعدة الأساسية. إن نسبة انتشار ظاهرة المقامرة المرضية في الشريحة الاجتماعية العامة مجهولة، لكن الأمريكيين يبلغون انها منتشرة بنسبة حتى %5.  في الدول الغربية ، تم الإبلاغ عن اضطراب أكثر بروزًا عند الرجال ، وكانت النسبة بين الرجال والنساء هي 2-3 إلى 1. أما سن الظهور فهو في أواخر سن المراهقة ولكن الاضطراب يمكن أن يحدث في أي عمر.

الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب لا يصلون للعلاج في المراحل المبكرة من الاضطراب. في معظم الحالات، فقط بعد خسارة مبالغ كبيرة وحتى في هذه الحالة فقط بعد تدخل العائلة. ولا يتطرق طلب المساعدة أحيانًا إلى مشكلة القمار نفسها ولكن إلى شكاوى حول الشعور بالاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية. وتشير الدراسات في هذا المجال إلى أن ما يصل إلى %30 من المقامرين يعانون من الاكتئاب و %60 يعانون من تقلبات مزاجية. أما بالنسبة للميول الانتحارية ، فقد وجدت الدراسة أن %25 من المقامرين يشعرون أن حياتهم لا قيمة لها ، و %20 يعبرون عن رغبتهم في الموت أو لديهم أفكار انتحارية. %5 لديهم أفكار أو أفعال تؤدي بالفعل إلى محاولات انتحار.

علاوة على ذلك، هناك ميل واضح للإدمان على مواد أخرى مثل المخدرات والكحول. لقد وجد أن %25 - %40 من المقامرين يصابون بالإدمان على مواد تؤثر على العقل.  لدى شريحة المقامرين، يصعب تحديد ما إذا كانت الاضطرابات النفسية قد خلقت دافعًا للفرار الى المقامرة كملاذ، أو ربما الخسائر واليأس بسبب المقامرة تؤدي الى خلق اضطرابات نفسية.

هناك عدد من الأساليب العلاجية المقبولة في المقامرة المرضية: العلاج النفسي، العلاج الدوائي ، والعلاج الذي يدمج بينهما.

العلاج النفسي - الاجتماعي : يشمل علاجًا داعمًا، ديناميكي او سلوكي معرفي.
 يتم إعطاء هذه العلاجات بشكل فردي أو في مجموعات. يمكن أن يساعد العلاج الجماعي للمقامرين المرضيين في الاعتراف بالاضطراب، والتعامل مع حالتهم بدعم من الأشخاص الذين يعانون من نفس الاضطراب وتحفيز جزء تنافسي مثل التنافس على من يستطيع التعافي بشكل أسرع. وفي حالة المشاكل الأسرية،  فمن المستحسن ايضا ان يكون هناك علاج زوجي أو عائلي بالتوازي.


علاجات دوائية تعتمد بالأساس على مضادات الاكتئاب والقلق - هناك العديد من الدراسات التي أثبتت فعالية مضادات الاكتئاب من عائلة مثبطات استرداد السيروتونين. هناك مجموعة من أدوية هرمون السيروتونين لعلاج المقامرين الذين يعانون من الوسواس القهري ، وهي الفوبوكسيل ، بروزاك ، سيروكسات ، سيفراميل ولوسترال. يتم استخدام هذه الأدوية منذ أكثر من عقد من الزمان لعلاج الاكتئاب واضطراب الوسواس القهري، وقد تمت الموافقة عليها جزئيًا من قبل صناديق المرضى لعلاج الاكتئاب والقلق. تم بحث العنصر الفعال فيها على نطاق واسع ووجد أنه فعال في علاج بعض الآثار الجانبية. بالطبع ، يتطلب استخدام هذه الأدوية تشخيصًا من طبيب نفسي متخصص.

الخيار الدوائي الثاني هو أدوية مثبتة للحالة المزاجية. من الأمثلة على أدوية من هذه العائلة "فالفورل"، "تومباكس"، و "نويونتين" . (تم إدراج الأدوية الثلاثة كأدوية مضادة للصرع ووجد أنها فعالة في علاج الاضطراب). هناك العديد من المقالات حول فعالية هذه الأدوية.

خيار ثالث من الأدوية، هو إعطاء أدوية الإدمان ويوصي الباحثون بالعلاج بها كما في علاج إدمان المخدرات أو الكحول. ويمكن للأدوية من عائلة المُثبطات أو المُضادَّات الأفيونيَّة أن تكبح الاندفاع للقمار. النالتريكسون هو أحد الخيارات. خيار آخر هو "زيبان"، ويستخدم في علاج الاكتئاب، ولكن ثبت أنه فعال في معالجة إدمان السجائر. وقد ثبت أيضًا أن هذا الدواء فعال في علاج المدمنين على القمار.

كل علاج على حدة، مثل العلاج النفسي أو الدوائي ، يمكن أن يكون فعالاً لدى نسبة تصل حتى %60 من المرضى. لكن العلاج النفسي-الاجتماعي-الدوائي (المدمج) أكثر فعالية ويكون ناجحًا في %75 من الحالات.
في الوقت الراهن يمكننا منح المقامرين المرضيين علاج فطام فعال، والذي  تصل معدلات نجاحه كما أسلفنا أعلاه حتى %75.  يجب على المُعالج أن يضع خطة علاجية ، بناءً على معرفة المريض وشخصيته وصحته العامة (لتوقع كيفية استجابة المريض لهذا الدواء أو ذاك). الجانب المشترك في  هذه العلاجات هو أنها تستند إلى مسار مدمج من العلاج النفسي - الاجتماعي والسلوكي- المعرفي وتناول الأدوية في بعض الحالات.

(المصدر : كل شيء عن الكحول"، غيلون 41، ديسمبر 2003، الصفحات 1-3)